

الذكاء الاصطناعي والمحاسبة.. أي مكانة للمؤسسات الجزائرية في الصراع العالمي على التكنولوجيا؟
يتسابق العالم اليوم للاستحواذ على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، المستخدمة بشكل رئيسي في شتّى المجالات، على غرار الصناعة الالكترونية، السيارات الكهربائية، الطابعات ثلاثية الأبعاد، وغيرها، بغرض تقليص الأعباء وكسب الوقت، إلى جانب الظفر بالمرونة والجودة الأساسية للخدمة مقارنة بالخدمات التقليدية.
وباعتبار أنّ قطاع الخدمات المالية يعتبر رهان الجزائر لبلوغ الشفافية والنجاعة في مجال المحاسبة والفوترة، فإنّ الاستعانة بالرقمنة والذكاء الاصطناعي في هذا القطاع أضحى ضرورة ملحة، وهو ما عملت عليه أكثر من 500 مؤسسة جزائرية، باستفادتها من خدمة "فاتورة كونتا" الرقمية، التي تم استحداثها "بأيادي وكفاءات جزائرية" خصيصاً للدفع بقطاع المحاسبة والفوترة في الجزائر، وترقيته ليصل إلى مستويات متقدمة، لضمان النجاعة في تسيير المشاريع الاستثمارية، وكبح البيروقراطية الإدارية والعراقيل التي لطالما وقفت عائقاً أمام تقدم سير المشاريع، وهي المطالب التي لطالما دعا إليها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ملحاً على ضرورة تعميم الرقمنة على كافة القطاعات.
وأمام هذه الثورة المعرفية والتكنولوجية في عالم المال والأعمال، التي تتحرك بوتيرة متسارعة، يتساءل مراقبون: هل تتجه المؤسسات الاقتصادية الجزائرية إلى اعتماد الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الذكية في مجال المحاسبات المالية؟
قد لا يختلف اثنان على أن السلطات العليا بالبلاد تهتم اهتماما بالغا في السنوات الثلاث الأخيرة، بكل ما هو ذكاء اصطناعي، تكنولوجي ورقمي، حيث تعمل بشتى الطرق المتاحة للاستثمار في هذا المجال، وذلك من خلال تعزيز البحث العلمي والتطوير التكنولوجي والرقمي، ولعل المعطيات الواقعية التي تؤكد نية هذا التوجه هو التأسيس لعدة مراكز ومعاهد للبحث في مجال الذكاء الاصطناعي، إقامة ندوات علمية تحت إشراف أهل الاختصاص، بالإضافة إلى توفير الدورات والتدريبات للشباب لتعلم هذه التقنية الحديثة للشباب المختص في المجال، ودعوة الكفاءات الجزائرية التي حققت نجاحات في شركات عالمية رائدة في الرقميات والتكنولوجيات للاحتكاك بالشباب الجزائري.
إن الاهتمام المتزايد والواضح من طرف صناع القرار في البلاد بمجالات الذكاء التكنولوجي والرقميات الحديثة، أفرز بيئة مساعدة وجيلا متفاعلا، يجابه كل الظروف الصعبة، بإرادة فذة، لإرساء اللَبنة الأساسية لدمج الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، وذلك من خلال إطلاق مؤسساتهم الناشة "SARTUP" التي تعمل على إيجاد حلول ذكية للمشاكل في شتى المجالات بطرق ذكية اصطناعيا.
تطبيق جزائري يعتمد برمجيات الذكاء الاصطناعي في نظام المحاسبة والفوترة لمؤسسات اقتصادية وطنية
وبعد بحث كثيف ونقاشات مع أهل الاختصاص وشباب جزائري تميزوا بإنجازاتهم في المحافل الدولية، وكذا تمحيص في واقع المؤسسات الاقتصادية والبحث عن شركات مبتكرة في مجال المحاسبة وَجدت ولازالت تَجد حلولاً للشركات الوطنية، توصلنا إلى تطبيق "FATOURA COMPTA" وهي شركة ناشئة مبتكرة ومعتمدة جزائرية، أنشئت عام 2019.
وكانت فكرة التطبيق عصارة جهد فريق عمل يتكون من عشرين شابا جزائريا تخرج معظمهم من المدارس العليا الجزائرية التي قدمت لهم المعارف التي تسمح لإعداد إطارات وطنية مكونين نظريا وتطبيقيا ومتمكنين من مهارات تقنية تسمح لهم بالاندماج في مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية والصناعية والآليات تمكنهم من ولوج عالم الشغل والابتكار، من بين هؤلاء الإطارات الجزائرية عبد المنعم بنهورية، المدير التنفيذي، لشركة "FATOURA "، المتخرج من مدرسة الدراسات التجارية العليا بالقليعة " EHEC"، حيث عمل بن هورية على ترجمة خبرته التي تمتد لثلاثة عشر عامًا كمهندس كمبيوتر ومستشار في المجال، إلى مؤسسة رفقة مجموعة من الشباب الذي رفعوا تحدي تفعيل آليات الذكاء الاصطناعي في الحياة الاقتصادية بالجزائر.
وتكمن مهمة هذا التطبيق الأساسية في دمج الذكاء الاصطناعي في قطاع المحاسبة واستعمال الذكاء الاصطناعي في رقمنة العمليات التجارية والمحاسبية للمؤسسات الاقتصادية بالبلاد، حيث يعمل " التطبيق " على تزويد الشركات الجزائرية بآخر الحلول التكنولوجية التي توصلت إليها علوم التكنولوجيات الحديثة، وبرمجيات الذكاء الاصطناعي، وذلك بدمج أفضل ما في الـ "ويب" والذكاء الاصطناعي في هذه العمليات المعقدة والتي تستهلك جهدا ذهنيا وبدنيا، وتدقيقا وتمحيصا في كل الأرقام والمعطيات، كما تقدم حلولا مصممة خصيصًا لتلبية المتطلبات التنظيمية المحلية للشركات، مع الحفاظ على سهولة الاستخدام والكفاءة، وهي كذلك مناسبة لجميع أنواع وأحجام الشركات في البلاد.
إطارات جزائرية ترفع تحدي تفعيل آليات الذكاء الاصطناعي في الحياة الاقتصادية بالجزائر
ولا يخفى عن أهل الاختصاص والمجال أن خطوة التأسيس لشركة ناشئة تسبقها مجموعة خطوات، أهمها إيجاد حلول لمشاكل واقعية باستعمال الذكاء الاصطناعي من طرف خبراء ومختصين في المجال.
ولو نعود للفكرة وتنفيذها باستعمال الحلول إلي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال المحاسبة، وكسابقة من نوعها في الجزائر والتي أنشئت من طرف شباب موهوبين ومتميزين، تقول إحدى الأعضاء المؤسسين لشركة "FATOURA COMPTA"، لينا فيراد لـجريدة" صوت الأحرار"، إن الانطلاقة في هكذا مشروع لم تكن خطوة عبثية أو نتاج الصدفة إنما القرار جاء بعد دراسة معمقة للسوق وتحليلات مكثفة لكيفية التطبيق واقعيا، وذلك بوضع خطة مدروسة وكذا الاحتكاك بخبرات وكفاءات أجنبية، حيث كان الهدف الأساسي هو مساعدة المؤسسات الوطنية في تحسين العمليات المحاسبية، توليد التقارير المالية، توجيه القرارات المالية، تصنيف النفقات والدخل، تحليل البيانات المالية، الاكتشاف الضريبي، التدقيق الآلي، وغيرها من العمليات المعقدة التي كانت تستنزف وقت المحاسب، وتؤثر على وقوع الشركة في الأخطاء الشائعة في هذا المجال، بينما تمكننا خبراتنا ومعارفنا أن نختصر كل هذه الخطوات بتطبيق يعالج هذه المشاكل التي تعرقل عملية المحاسبة والتحليل والتقارير بأدوات تكنولوجيا ذكية ومتطورة، مصممة خصيصا لتأخذ بالشركات نحو الكفاءة والنجاح في عصر الآنية والرقمنة.
في ذات الصدد، أكدت لينا فيراد أن خطوة التأسيس للتطبيق كانت نتيجة لجهود وخبرات فريق عمل كامل ومتكامل، فقبل مرحلة إنشاء التطبيق، كان يعمل في قطاع تطوير الرقمية الكلاسيكية، حيث وجد المشرفون على التطبيق أن العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تزال تعتمد على الأدوات الأساسية البسيطة مثل Word وExcel لإدارة عروض الأسعار والفواتير، وكذلك لمراقبة التحصيلات والعملاء والموردين، التي تعتبر أدوات وطرقا تجاوزها عصرنا، واستعمالها في وقتنا الحالي يعتبر مضيعة للوقت وإهدارا للجهد واستنزافا للمال.
"تكمن صعوبة استخدام التطبيقات الحديثة في الجزائر في نقطة إثبات جودة وموثوقية خدماتنا للمستهلك"
إن المشهد العام للتكنولوجيات الذكية في البلاد يوحي لك في صورته الكاملة أن استعمالها وممارستها سهل وهين، لكن المنخرط في تفاصيله اليومية، يجد أن الأمر ليس بهذه الدرجة من السهولة، فأنت تتعامل مع تراكمات مجتمع وسنين من التعاملات الكلاسكية التي يجدها المتعامل على درجة من الأمان والسرية، جانب أخر كشفت عنه فيها العضو المؤسسة للتطبيق لينا فيراد، قائلة: " تكمن صعوبة استخدام التطبيقات الحديثة في الجزائر في نقطة إثبات جودة وموثوقية خدماتنا، مما يؤدي إلى عدم الثقة في كل تعامل جديد غير معروف، فالتخوف من استخدمها، خاصة في قطاع هيكلي وحساس كالمحاسبة منطقي ومقبول في البداية وهو التحدي الذي رفعه مؤسسي المشروع".
وأردفت لينا فيراد قائلة: " حقيقة، نحن كمؤسسين لأول تطبيق في مجال المحاسبة الذكية بالجزائر، نفتخر أننا شريك ومورد موثوق لأكثر من 500 شركة جزائرية في جميع القطاعات والأحجام، على غرار، وكالات الاتصالات والفعاليات الكبرى وسلاسل فنادق وشركات الخدمات والإنتاج، فضلا عن أكثر من 40 شركة في المحاسبة ومراجعي الحسابات المعروفة وطنيا، نذكر منها شركة "اتصالات الجزائر" وشركة (icosnet)".
إن كسب ثقة أكثر من 500 شركة جزائرية ليس بالأمر الهين،ـ تضيف محدثتنا ـ لكن شركة " FATOURA" كانت قادرة على تبسيط وتحديث العمليات المحاسبية والتجارية، حيث بدأنا بدراسة معمقة للسوق، للتحقُق من البيانات المقدمة وتحليلها، هذه المرحلة الحاسمة والحساسة أثبتت فرضيتنا المتمثلة في حاجة السوق الجزائرية لحلول الذكاء الاصطناعي كبديل للحلول والمعالجات التقليدية في مجال المحاسبة.
بالمقابل، تؤكد العضو المؤسس للتطبيق المذكور أن ردود الفعل الإيجابية من المستخدمين الأوائل كان الدافع الأساسي لمواصلة التحدي والتحسين من نوعية خدماتنا المقدمة يوما بعد يوم، نجاحا بعد نجاح، وكان فوز شركتنا بالمركز الأول في مسابقة دولية للشركات الناشئة بمثابة نقطة تحول مهمة في مسارنا المهني والمقاولاتي، فالفوز بالمركز الأول، أمام هيئة محلفين من الخبراء، كان الحافز وقدم لنا جرعة ثقة ممزوجة بالحماس لتقديم الأفضل.
الصندوق الجزائري لتمويل الشركات الناشئة (ASF) يرافق المشاريع المبتكرة ويذلل الصعوبات المادية
أمام هذه الخطوات الثابتة، والتي تأخذ الشركة إلى نجاحات أكبر، تستوقفنا خطوة التمويل، فبمنطق المال، الأعمال والاستثمار في المشاريع على اختلاف أحجامها وأنواعها، يُعد رأس المال للتأسيس والانطلاقة الفعلية لأي مشروع أساسي للتجسيد.
خطوة تدخل ضمن البيئة الاستثمارية المساعدة، التي وفرتها الدولة خلال الثلاث سنوات الأخيرة، فخطوة تمويل المشاريع الناشئة هو إجراء من مجموعة إجراءات وضعها صناع القرار بالبلاد لتسهيل إنشاء شركات ناشئة والمشاريع المبتكرة ومرافقتها، حيث يقدم الصندوق الجزائري لتمويل الشركات الناشئة مساهمات مالية لإنجاح المشاريع، وكانت مساهمة هذا الصندوق نقطة فاصلة وحاسمة لشركة " فاتورة" ـ تؤكد العضو المؤسس للشركة ـ للانتقال إلى مستوى أعلى من حيث قابلية التوسع التجاري وتطوير الشراكات الإستراتيجية، فاستمرار الشركة في النمو وتطوير وتعزيز مكانتها كشركة رائدة في رقمنة عمليات المحاسبين والمحاسبة في الجزائر، كان بفضل ضمان خطوة التمويل.
المشاريع المبتكرة في الجزائر تتجاوز تحديات التمويل لتصطدم بنوع أخر من التحديات
على صعيد مغاير، فإن المؤسسات الناشئة في الجزائر قد تكون تجاوزت بعض التحديات الأساسية كنقص رؤوس الأموال والتمويل والتشريعات والبيروقراطية، لكن تجربة تطيبق "FATOURA COMPTA" يكشف لنا عن نوع آخر من التحديات، تلخصها العضو المؤسس للشركة لينا فيراد في ثلاث نقاط أساسية هي:
أولا: جمع البيانات للذكاء الاصطناعي:
يتطلب تنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي كمية كبيرة من البيانات عالية الجودة، حيث تكمن صعوبات جمع البيانات في تشتتها واختلافها في عدم وجود هياكل داخل الشركات الجزائرية، وكانت هذه الخطوة حاسمة لتطوير خوارزميات فعالة يمكنها من إتمام وتحسين العمليات المحاسبية. للتغلب على هذا التحدي، قمنا بإنشاء شراكات استراتيجية وعملنا على تطوير أدوات التي تجمع أنظمة بيانات أكثر تطوراً.
ثانيا: عقلية قادة الأعمال والمدراء التنفيذيين والمقاومة للتغيير
لعل التحدي الرئيسي لأصحاب المشاريع المبتكرة في الجزائر يتمثل في مقاومة التغيير من طرف بعض الرؤساء التنفيذيين للشركات، فعلى الرغم من المزايا الكثيرة والمتعددة والواضحة للرقمنة، فإن الكثير منهم يظل مرتبطا بأساليب الإدارة التقليدية، ولتذليل هذه العقبة تم الاستثمار في برامج التوعية والتدريب.
ثالثا: عدم الإلمام بالتقنيات الجديدة للرقمنة والذكاء الاصطناعي:
العائق الكبير لترسيخ فكرة الرقمنة في جزئية المحاسبة في الشركات الجزائرية هو عدم إلمام المعنيين بجديد التكنولوجيات الحديثة وأخر إصدارات التطبيقات الذكية، فبالنسبة للكثيرين، فإن الانتقال من نظام تقليدي والانطلاق بنظام رقمي بالكامل مخيف، لأنه مجهول المعالم والتفاصيل لديهم.
المدير التنفيذي لشركة (REVADEX): "النظام المحاسباتي الذكي يسمح لنا بمتابعة يومية للوضعية المالية للشركة"
المزايا والنقائص التي تعرفها جزئية تبني الذكاء الاصطناعي في عملية المحاسبة لدى الشركات الاقتصادية الجزائرية، تُوجب علينا كمعالجين للموضوع أن نتوجه بالسؤال لمستخدمي هذا التطبيق ومعرفة كيف أثر استخدامه على مردودية الشركات ونشاطاتها، سؤال أجابنا عنه، المدير التنفيذي لشركة (REVADEX) شمس الدين حبوب، ـ وهي شركة ناشئة، مختصة في رسكلة وفرز نفايات المكاتب، كما تقوم بمرافقة الشركات الكبرى في السياسات البيئية-، قائلا: "نحن من الزبائن الأوائل للشركة ونستعمل نظام الفوترة والنظام المحاسباتي لـهذا التطبيق، ومنذ انطلاقه أصبحت العملية سهلة وسلسلة، دون تعطيل أو أخطاء تُعرقل، فقبل هذا التطبيق كنا نستعمل الأدوات الكلاسيكية كـ (WORD) و(EXCEL) ما كان يسبب لنا أخطاء جمة وفي بعض الأحيان كان خطأ في رقم واحد يتسبب لنا في كارثة للفاتورة والحسابات، الأمر الذي كان يعرقل علينا مرافقة زبائننا بشكل جيد، سريع وآني، فاستعملنا لهذا النظام المحاسباتي الذكي يعتمد في كل تفاصله على الذكاء الاصطناعي والرقميات، أصبحت العملية حاليا سلسة ومنظمة، ما سهل علينا أيضا بيع الخدمات للزبائن بطرق سهلة وسريعة، ما سمح لنا بمتابعة يومية للوضعية المالية للشركة، مما يحسن العلاقة مع المحاسبين، فبعد هذه الخطوة أًصبحت العلاقة مع المحاسب علاقة جيدة لا تستغرق وقتا طويلا، والجديد أن هذا التطبيق يستعمل الذكاء الاصطناعي فيما يخص التعرف بشكل آلي وآني على نقاط الفواتير من الزبائن، خاصة فيما تعلق بالأمور القانونية التي يجب أن ترفق مع الفاتورة.
الخبير في المالية والجباية، أبو بكر سلامي: "الشركات الاقتصادية اليوم، تَبنت الذكاء الاصطناعي وهي في طريق الاستغناء الكلي عن المحاسبين مستقبلا"
تكشف لنا إجابة المدير التنفيذي للشركة، المدير التنفيذي لشركة (REVADEX) سلاسة وسهولة انتهاج الذكاء الاصطناعي في منظومة الفوترة والمحاسبة، والأريحية التي تصل إليها الشركة الاقتصادية بعد تبني آخر التكنولوجيات الحديثة في المجال، فالذكاء الاصطناعي اليوم قطع شوطا كبيرا في المحاسبة.
ويؤكد الخبير في المالية والجباية، أبو بكر سلامي في اتصال هاتفي لـ جريدة "صوت الأحرار" قائلا: "عملية إعداد التداول المالية والمحاسبية أصبحت تُنجَز بتطبيق ذكي ورقمي، حيث يتم تحميل المعلومات للتطبيقات لتقوم بكل العملية من إعداد الجداول المالية والمحاسبة بكل فروعها وللجداول المالية في وقت جدا قصير".
الطريقةـ يضيف الخبيرـ تلجأ إليها الكثير من الشركات ومكاتب المحاسبة اليوم، هذه الخطوة أفقدت المحاسب الجانب التقني الذي كان يقوم به بالطريقة التقليدية والتي كانت تستغرق وقتا وتركيزا وجهدا وبالمقابل وفرت له الوقت والراحة والمال.
في سياق مغاير، كشف الخبير المالي والجبائي، أن الشركات التي تبنت الذكاء الاصطناعي في المجال في طريق الاستغناء عن المحاسبين، فالتوظيف سيقتصر مستقبلا على تكوين أحد الموظفين أو إطارات الشركة للقيام بعملية تحميل المعطيات والأرقام فقط، وليس مستبعدا أن يصبح عمل محاسب عملا ثانويا، وهذا ربما ما يتخوف منه بعض المحاسبين، لأنه بعد اللجوء إلى استعمال إلى الذكاء الاصطناعي واستعمال التطبيقات ستتقلص مناصب المحاسبين في الشركات.
فيما تعلق بتخوف بعض الرؤساء التنفيذيين للشركات الجزائرية من تبني الذكاء الاصطناعي في الفوترة والمحاسبة، وصفه الخبير بغير المبرر، قائلا: "نظن بأن هذا التخوف غير مبرر، لأن الأمان، السرعة ودقة المعلومة، التي ستوفرها التطبيقات الذكية وما ستقدمه من أرباح من الناحية المادية، وما ستوفره من الجهد جسديا، وما ستضيفه لقاعدة البيانات للشركة خصوصا والاقتصاد الوطني عموما، يشجع على اعتماد الذكاء الاصطناعي في شتى تعاملات الشركات وليس الجانب المحاساباتي فقط".
نخْلص في الختام إلى أن الذكاء الاصطناعي هو شريان المؤسسات والقلب النابض لاقتصاد قوي ومنافس، وأي تأخر في مواكبته قد يضع قطاعا كاملا على هامش الحياة الاقتصادية العالمية، فما حققته شركة "فاتورة" يُعتبر حجر أساس لمشروع استراتيجي ضخم تمتد معالمه وآثاره لمستقبل واعد، تجسد تفاصيله الآن، فبعملية حسابية نجد أن 500 مؤسسة اقتصادية جزائرية تستعمل الذكاء الاصطناعي في المحاسبة والفوترة يقابلها أكثر من 186 ألف مؤسسة إنتاجية مقيدة في السجل التجاري تستعمل الطرق التقليدية، فحسب إحصاء كشف عنه وزير التجارة وترقية الصادرات، الطيب زيتوني على هامش مراسم تدشين فعاليات الطبعة الـ31 لمعرض الإنتاج الجزائري سنة 2023،
إحصاء 186 ألف مؤسسة إنتاجية مقيدة في السجل التجاري الجزائري وبعملية حسابية نطرح فيها 500 مؤسسة من 186 ألف مؤسسة، نجد أن أكثر من 185 ألف شركة مازالت تستعمل الطرق الكلاسكية في المحاسبة.
أمام هذه المعطيات يظهر للمتابع في الشأن التكنولوجي وبرمجيات الذكاء الاصطناعي أن طريق اعتماد واستعمال أخر ما توصلت إليه علوم التكنولوجيات في المحاسبة لدى مؤسساتنا في بدايته، وعليه وجب على كل الفاعلين تسريع الخطوات وتقليص التأخر، فكما قالت المحللة في شركة "كرييتيف ستراتيجيز" كارولينا ميلانيسي: "لم يتأخر أحد في السوق التي بدأت للتوّ، والتي ستتطلب استثمارات، وستبدأ بالشركات قبل أن تصل فعلياً إلى المستهلكين"، ما ينطبق حرفيا على السوق الاستثمارية في المجال بالجزائر.