هذا الذي صنعه اليمين المتطرف في الغرب
الخطاب الغربي حول التطرف والإرهاب والإسلام، كثيرا ما تغلب عليه الأحكام القيمية، وأحيانا الرغبة في ترسيخ تلك الصورة النمطية حول العرب والمسلمين بصفة عامة، فكل قبيح وسلبي يلصق بهؤلاء عنوة ولا أحد يريد العودة إلى خلفيات ظاهرة التطرف الديني والتخلف الحضاري والثقافي في العالم الاسلامي ولا عن دور الغرب في ما أل إليه العرب وأغلب المسلمين من ضعف وهوان ومن انفصال حقيقي عن موروثهم الديني والحضاري المبني على الاعتدال والتسامح.
الملاحظ أن تعاطي الدول الغربية، خاصة أمريكا، فيه امعان في تبني خطاب سلبي اتجاه كل ما يرمز إلى العرب والمسلمين، فالمحاولات التي يقوم بها البعض في الدول الغربية من حين لأخر لتحسين هذا التعامل على الأقل خلق نوع من التوازن الإيجابي، كثيرا ما يصطدم بمعارضة من لوبيهات، هي في الواقع محامي غير معلن للتيار اليمني المتطرف، فكل المحاولات التي رأيناها باءت كلها بالفشل الذريع، والسبب أن المبررات المقدمة غير مقنعة بتاتا، ثم إن الحرب على الغلو الديني و»الانعزالية« حسب تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أو على الإرهاب لا تبرر التضييق على المسلمين في أوربا أو أمريكا، فما قاله الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان منذ بضعة اشهر حول الحرب التي تقوم بها الحكومات الغربية ضد الإسلام، فيه الكثير من الحقيقة لأن هذه الحرب أضحت تغذي التطرف وتبرر عند بعض المتعصبين الإرهاب.
العالم لا يمكن له أن ينسى حتى ما تسمى بزلة اللسان التي تكشف ما يختلج في صدور بعض الحكام في الغرب بخصوص الأخر أو ما يسمى بالتهديد الأخضر، فالتصريحات المتطرفة للرئيس الأمريكي الأسبق جون ولكر بوش عندما علق بعد الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001 ، أن أمريكا هي في حرب صليبية جديدة ضد ما اسماه بالإرهاب الإسلاماوي، كشفت عن طبيعة الاستراتيجية المعتدة أو ما يسمى في المخابر بصناعة العدو، فأمريكا وجدت في تلك الهجمات مبررا لغزو دامي ومدمر لأفغانستان والعراق والصومال، وحتى وإن كان من غير الممكن نفي وجود إشكالات فكرية بالدرجة الأولى تتسبب في تنامي التعصب والإرهاب عند المسلمين، وهذه مسألة مهمة تتطلب دراسات معمقة، إلا أنه لا يمكن أيضا نفي أن بعض الأنظمة المستبدة تفرخ أيضا التطرف والإرهاب، ثم إن لاعتداءات الإرهابية التي شهدتها منذ فترة بعض الدول الغربية خاصة فرنسا والنمسا وإسبانيا وبريطانيا وبلجيكا، لا يمكن تبريرها حتى بتلك التصريحات عبر مواقف غريبة وأكثر تطرفا، تعلنها صراحة بأنها تريد الغاء الآخر الذي يشكل، وفقها التهديد الأكبر لما يسمى بالحضارة الغربية.
فاتساع دائرة الاعتداءات الإرهابية في الدول الغربية، خاصة في أوربا، في وقت من الأوقات، والذي تتبناها عادة مجموعات متطرفة موالية لتنظيم الدولة »داعش«، يشكل مادة دسمة تغذي تحاليل متطرفة معادية للإسلام، تزعم بان المشكل هو في الأساس مرتبط بالدين لدرجة أن البعض لم يعد يتحرج من القول بأن الإسلام هو دين عنف وإرهاب، ودين دموي، ودليله في ذلك الفتاوى التي تدعو »للجهاد« ضد الغرب والتي تتبنى أو تبرر اعتداءات تستهدف في الغالب مدنيين في شوارع دول غربية. فعودة بعض مراكز البحث في الغرب للترويج لأطروحة صدام الحضارات، لا يتلاءم مع طبيعة ظاهرة التطرف المنتشر في البلاد العربية وعند المسلمين، مع أن هذه الأطروحة تشكل الخطر الأكبر على السلم العالمي، فقبل سنوات جعل عدد من العلماء الأمريكيين من صدام الحضارات توطئة فكرية وإيديولوجية سمحت بتبرير الهجمة الشرسة التي تعرض لها العالم الإسلامي. فالذين روجوا ويروجون لصدام الحضارات، إنما يخرجون إلى العلن مشاريع شيطانية ليست وليدة اليوم، فهؤلاء يضعون عقولهم في خدمة سياسات واستراتيجيات خطيرة تتبناها اليوم جل الحكومات في الغرب بدءا من الولايات المتحدة ووصلا إلى القوى الأوربية المعروفة على غرار فرنسا وبريطانيا، فلم تعد تلك السياسية العدائية والعدوانية اتجاه كل ما يرمز إلى الإسلام والمسلمين محصورة في برنامج المحافظين الجدد في واشنطن، بل امتدت لتشمل كل التوجيهات السياسية تقريبا، بل إن معاداة العرب والمسلمين تحول إلى عنوان للهوية السياسية في الغرب، عنوان تجاوز حتى عنوان الشيوعية في عهد الصراع بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.